لعلّ من أكثر الأقوال العملية فائقة الحكمة التي تأثرت بها تأثرًا صادقًا ولا أنسى قراءتها يومًا، ما نُقل عن أحد الجنرالات إبّان الحرب العالمية الثانية.
إذ أُتيحت له دقيقتان فقط لتوجيه رسالة أخيرة إلى كتيبة من الجنود، على وشك تنفيذ عملية دقيقة لمهمة ضارية يعلم الجميع، بمن فيهم الجنرال نفسه، أنها أقرب إلى الانتحار، وأن معظم الجنود لطبيعة المعركة التي تحتم الخسائر لن يعودون كلهم منها.
وقف الجنرال في منتصف الغرفة، وعيناه تجوبان الوجوه المتوترة. وهو الآن يعلم في دخيلته أن نجاح هذه المهمة يحتاج عقولًا حاضرة، لا أرواحًا مشلولة. لكن ما رآه أمامه في تلك اللحظة لم يكن سوى مجموعة من رجال غارقين في صمتٍ ثقيل، رجال قرأ في نظراتهم وقتها ندمًا على كل لحظة أهدروها في حياتهم، و كل حماقة اقترفوها.
وحينها لم يتمالك إلا أن يقول : "أتوسّل إليكم، بأمهاتكم، ألّا نُضيع في لحظتنا هذة تحديدًا وبعدها، إن عشنا، دقيقة واحدة من التفكير في أي أوقات قديمة ضاعت منا، أو أي أشخاص لا يفكرون فينا الآن."
يقول أستاذ علم النفس الرياضي بيل بيسويك:
إنّ أكثر ما يُثقِل الروح المعنوية ويبقيها في دوامات التسويف والتأجيل قبل المهمات الثقيلة وفي طريق العودة من الإخفاقات والإنتكاسات، ليس شعورها بالخسارة الحاصلة في حد ذاتها، بل وطأة حسرتها الممزوجة بالندم على تلك الأوقات الضائعة التي لم يُتدرّب فيها، ولم يُستعدّ من خلالها كما ينبغي. ولعل المقصود من هذه الافتتاحية هو التأكيد على أنه لا يصح الحديث عن أي عودة قوية أو ترتيب للأوراق أو استعادة للوجهة ما دمت تحدّق في الماضي بعينان مُعلقتان على الأوقات المسكوبة، والأجدى بك دائمًا وحتى قبل أن تتابع قراءة هذا المقال وقبل الشروع في أي خطة جديدة وقبل أن نستهل بأي حديث عن الروح الانتصارية، أن تسامح نفسك الآن بالتحرّر من أثقال تلك الأوقات الضائعة، ومُثقلات حسراتها وما فاتك من أوقات. بأن تغسل نفسك بإستقبال نوايا جديدة ومتسامحة.
لو أن أيدينا يمكنها أن تمتد إلى الماضي لتمسك حوادثه المدبرة، فتغير منها ما تكره، وتحورها؛ لكانت العودة إلى الماضي واجبة ، ولهرعنا جميعًا إليه، نحو ما ندمنا على فعله وإختياره ، أما وذلك مستحيل فخير لنا أن نكرس الجهود لما نستأنف من أيام وليال ففيها وحدهها العوض.
- محمد الغزالي
فِقهُ الاستِدراك
You Can Always Come back
الإستدراكُ: نسيان النقصِ فيما مضى، بالإِحسانِ فيما هو آتٍ.
يموت الإنسان ميتاتٍ عديدة، وهو على قيد الحياة. يقول التعبير الأدبي: "يعيش الإنسان ليمشي في جنازاتٍ كثيرة لنفسه." يعضّ بنواجذه الأسى بعد كل خسارة تتجدّد، وكل انتكاسة يصحبها خمول، فيكون شاهدًا، بلا فاعلية أو حراك في كل مرة، على ذاتٍ تكالبت عليها الأيام وتعطّلت روحها الانتصارية، يقول أوليفر ساكس وهو يصف هذه الحالة من التوهان: إذا فقد المرء ساقاً أو عيناً فإنه يدرك تماماً أنه فقدهما، أما إذا ضيع ذاته وواجباته وهويته الإنتصارية التي فيها أحلامه فإنه مع الوقت، لا يدري لأنه لم يعد هنالك كي يدرك ذاته تلك. وهو ما يصف حالة فقدان الثقة والتيه والتبلد والشلل التي تصحب الموهوبين في أوقات الكومفروت زون وحالات عدم المبالاة.
يُعلمنا الإسلام على الدوام مينتالتي it's neve too late بثقافة عدم رمي المنديل، ومفهوم القتالية حتى آخر الرمق مهما كنت متأخرًا ومُقصرًا، يُخبرنا على لسان نبيه عليه افضل الصلاه والسلام أنه: إذا قامت الساعة وفي يد أحكم فسيلة فليغرسها. بل يروي لنا القرآن نفسه [ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ] في تربيت رحيم من آياته بأن واجب الوقت الحالي هو المقصود، وأن ابواب الرحمة على مصراعيها واسعة مفتوحة وإن المغفرة Endless لا تنفد، وأن هنالك دائمًا فرصة للعودة ما دامت روحك انتصارية.Just bring the body.
يربط الرسول عليه الصلاة والسلام بلسانه على فزع صحابته وخوفهم من الضياع والتلاشي والفوات والتأخر بحديث جميل «من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقضاه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتب له كأنما قرأه من الليل»
{هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا}
تُشيع الملائكة مرة جثمان صحابي أدرك الإسلام متأخرًا. لكنه حضر، مشى في جنازته سبعون ألف ملك، سعد بن معاذ، ست سنوات فقط في الاسلام، ضحك لها الرب وأهتز لها عرشه عند وفاته، فقوة الأعمال غير منوطة بأوائل الأزمنة وإنما بإقبال الأفئدة، وهو المطلوب.
فهذا أبو بكر الكسائي وهو في عمر الواحد وستين، عابته العرب مرة على كلمة نطقها، فأسّس وقتها علم النحو ومدرسة الكوفة وذاك ابن حزم، بلغ السادسة والعشرون،، فلما مات أبوه لم يعرف حتى كيف يؤمّ الناس. لأنه لم يعرف وقتها طريقة تأدية صلاة الجنازة واليوم، هو ابن حزم وهو هو، أحد أعمدة الفقه الإسلامي وأضخم القامات العلمية في تاريخه، وهذان عمر بن الخطاب وأبو بكر الصدّيق، يبدآن رحلة طلب العلم بعدما جاوزا الثلاثين.
إن المسلم لا ييأس ابدًا مهما أضاع من الأوقات، ولا يلتفت لضيق ما بقي له منها، لأنه يعلم أنه عندما يستدرك فإنما يستدرك عند رب كريم
- م ايمن عبدالرحيم ( فك الله أسره)
التسويف يقتل الروح الانتصارية ويعدم المصداقية المطلوبة
يقول علماء النفس إنّ التسويف (Procrastination)، في مرحلة ما من مراحل التكرار والممارسة، يزرع داخل سيكولوجية الإنسان ما يُعرف بالذهنية التخاذلية، وتؤسس تلك الذهنية عمومًا لشخصية أكثر تخاذلًا. لا تستطيع، مع الوقت وتكرار التسويف، النهوض أو الوثوق بنفسها بسهولة، وذلك كنتاج طبيعي واستجابة تلقائية لكل مرة ينوي فيها الشخص القيام بأمر ما، ويأتي دوره ووقته، ولا يفعل.
يفقد إنسان التسويف هذا، مع الوقت وممارسة التسويف، مصداقيته أمام ذاته وقدرته على تصديق نفسه فيما بعد، فحتى إذا أراد شيئًا جديدًا وبحق، لا يجيء إليه الحماس المنشود، فتغيب روحه المطلوبة للقيام بالواجبات والمُنجزات. وهو الشيء الذي يطمس بداخله أي بقايا للروح الانتصارية.
تذكر في المرة القادمة، أن في كل مرة تصدق مع نفسك كأن تلتزم بمواعيدك مثلاً ، تبني على جانب مقابل Self respect
الانتصارات النفسية الصغيرة
يقول علم النفس التأهيلي إن أول ما تحتاجه لتنهض من جديد في طريق العودة للتعافي واستعادة الوجهة بعد التوهة، بعض الانتصارات النفسية الصغيرة في البداية. القليل كما يؤكد علم النفس من الـ Zirgink effect، بتحصيل إنجاز بسيط، كبداية موفقة، أو إنهاء مهمة مؤجلة، أو حتى ممارسة الرياضة لبضع دقائق، أو حتى الشروع في محاولة الرسم مرة أخرى، والفائدة من تلك الإنتصارات صغيرة أنها ترسل إلى عقلك إشارات خفية تقول: أنا أتعافى أنا أعود. كل خطوة بسيطة ستقوم بها تمنحك دفعة مطلوبة من "الدوبامين" تكمن أهمية تلك المكاسب الصغيرة، وإن بدت بسيطة، أنها تعيد ربطك بطعم النجاح، وتذكّرك أنك ما زلت قادرًا، وأنك لم تنتهِ بعد، بل إنها تجعلك تنصت مجددًا لصوت داخلي كان خافتًا لفترة… صوت ربما يهمس لك: ما زالت لديك فرصة … ما زال هنالك مُتسع. تقول بريانا ويست: أن التحولات الكبيرة لا يمكن أن تحدث إطلاقًا بدون إنتقالات صغيرة دقيقة.
The best time to plant a tree was 20 years ago. The second best time is now
Chinese proverb
ضرورة الحِدة العاطفية
من العسير أن يولد أي مشروع أو يكتمل أي تغيير، ما لم تُشعل أنت جذوته على الدوام بمشاعرٌ متقدة، وما لم تُسقه دوافع لا تهدأ. فلا يكفي أحيانًا أن تبدأ، بل عليك أن تخلق مع هذة البداية شرارة، وأن تتعلم أن تُبقي هذه الشرارة مُشتعلة في صدرك، أن تُحيط نفسك بالجوع إلى الانتصار، وبالغيرة الحريصة على ذاتك، وعلى موقعك في الحياة، وتحسين مكانتك بجوار من هم أقل من امكانياتك لكنهم في مكان احسن، وعلى جمالية إمكان ما يمكن أن تكونه يومًا.
أن تُصغي لحكايا الناجحين أن تتصفح حساباتهم وأن تقرأ لهم، أن تقتبس من ضوءهم، أن تملأ عينيك بمشاهد وصور وقرءات تُوقظ فيك المعنى دومًا، تشحن حواسك لتُشعل فيك الشوق لتكون في المتسع الذي يليق بمقامك. يقول انتوني روبنز : أن التغيير ليس مسألة قدرة، إنما مسألة تحفيز وهذا هو الفارق بين الرياضي الهاوي والمحترف. ويكون هذا بالإستعانة بالمرئيات والمسموعات وإطلاق النظر في سير الصالحين والمشاهد المُلهمة.
قالت العرب قديمًا المجانسة بالمجالسة، إن جلست مع المسرور سُررتَ وان رافقت الغافلين غفلتَ وإن صاحبت الذاكرين ذكرتَ وإن شاهدت النائمين نمتَ وإن صاحبت أموات الدين مات دينك في قلبك ، فلا عجب أنه قيل لمريم
( واركعي مع الراكعين) .
فلنفشل بأفضل طريقة ممكنة
من أرق ما قرأت عن مساعي الحياة وقلق ضياع المجهود والخوف من الخسارة تصريحًا عبقريًا للمدرب يورغن كلوب بعنوان
If we fail, then let's fail in the most beautiful way
"حتى ولو فشلنا، فلنفشل إذًا بأجمل طريقة ممكنة."
يوصينا كلوب، بأن نفشل بأفضل طريقة ممكنة وهو يقصد بذلك، أي بذوق، بشرف، بروح المقاتل الذي لم يدّخر رغم هزيمته جهدًا. أن نضع الهوس من الخسارة جانبًا وأن نجعل من كل محاولة، حتى رغم خوفنا من عدم نجاحها، تجربة تستحق الاحترام يبقى مجهودها في ذاكرتنا. ولنعلّم أنفسنا من خلالها، كما تعلّمنا هذه المقولة، أن القيمة الحقيقية في الطريق لا تكون في النتيجة فقط، بل في تعلم القتالية وشجاعة الطريقة التي نخوض بها الرحلة.
الأسوأ من الهزيمة، عدم القتال على الفوز.
لا تُحاسب الأشياء بالقطعة.
جرى في تصنيفات علم النفس لأنماط التفكير ما يُعرف بـ Jumping to Conclusions، أو "القفز إلى الاستنتاجات والنتائج"، كأحد أكثر أنماط التفكير السلبية والمشوّهة شيوعًا بين الناس. ويُقصد به ببساطة: الحكم المُسبق والمُتعجّل على الأشياء، أوالتجارب، أو الأحداث، دون دراية كاملة أو تجربة مكتملة.
كثيرًا ما تغتال هذه العادة روحك الانتصارية في بدايتها، باستباق الأحكام. فمثلًا: تريد أن تتعلم لغة معينة، فتقرر أن تبدأ في أمان الله، ثم تظهر داخلك فكرة محبِطة تنشأ منها عفونة في النفس، تُخبرك أن طريقة التعلُّم هذه لا تُجدي، أو أن مجهوداتك ستذهب سُدى، وأن التجربة الحالية لن تُثمر كما تأمل.
وأتذكر هنا مقولة لوليام جيمس تقول: "لا تمت قبل موتك". وأقول: تعلّم أن تُنجز الأشياء، وأن تُكمل طريقها إلى نهايته دون تشويش داخلي. في عالم كرة القدم، عندما يفشل مدرب في إدارة مباراة أو اثنتين، لا تُقيله الإدارة، بل تصبر عليه حتى نهاية الموسم، ثم تُقيّمه. لأن الحساب موسمي.
كذلك أنت: لا تُحاسب نفسك مبكرًا، ولا تُطلق الأحكام على تجاربك قبل خواتيم الأمور. ولعل هذه من أفضل النصائح التي وجدت لها أثرًا في حياتي.
Allow yourself always to be a beginner
لم أرَ في عيوب الناس عيبًا ** كنقص القادرين على التمام
كلمة ختامية
عندما نتأمّل في حياة الرياضي الأولمبي، يتّضح لنا أن التفوّق ما هو إلا سلسلة من الأيام يُحاط فيها الإنسان بفكرة الانتصار والمكسب، في كل حواسه. فمنذ استيقاظ هذا الرياضي وحتى سكونه في آخر اليوم، كل تفصيلة في روتينه محسوبة، تهدف في جوهرها إلى الحفاظ على حالته الذهنية.
كل شيء مُسخَّر بمقدار لخدمة هدفه: ساعات نومه، طعامه، تمارينه، لحظات استشفائه، مراجعات أدائه، دراسة خصومه، الوقوف على نقاط ضعفه، وحتى فترات راحته النفسية والجسدية، كلها ضمن نظامٍ مدروسٍ بدقة.
وهكذا يجب أن تتعامل مع يومك أنت أيضًا.حاول أن تجعل أيامك خادمة لانتصاراتك، لا عائقًا في طريقها. اضبط مواعيدك، رتّب أولوياتك، أرح جسدك بقدر، وغذِّ عقلك بما ينفع. هكذا تُبنى الروح الانتصارية.
وتذكّر: التعافي الحقيقي ثورة ذهنية شاملة، وصلابة نفسية كاملة، ونمط حياة متكامل، منظَّم ومرتَّب من الاستيقاظ حتى النوم، يحافظ على روحك الانتصارية، ولا يسمح بمرور أي فاسد، أو اقتراب من أي قديم.
ولله الموفق و المستعان.
قسمًا بمن احل القسم
لا كلام يُقال أمام هذا المقال الرائع
ايقظ في داخلي شُعلة من الأمل
جزاك الله الجنة ووالداك..
جزاك الله كل خير الدنيا والاخرة ... المقالة دي جات في وقتها عشان تقومني لأني كنت بغرق في بحر ال"ماف فايدة بعد دا" بعد فشل ما هين .. ح اقراها تاني وتالت وشكرا ليك من اعماق قلبي
ربنا يوفقك ويسعدك في الدارين ي رب .. ما توقف كتابة .. ثريداتك/مقالاتك دايما بتجي في وقتها 🫶🏻